بعيني " مريد البرغوثى " رأيت رام الله ، تلك البقعة القريبة البعيده !! ككل بلادنا المحتله ... لمست فيها ما تخفيه الأخبار من حقائق ، الأخبار التى لا تهتم سوى بالأرقام .. كم قتيل ... كم جريح ... كم مستوطنه ... كم .. وكم.. لكنها لم تحصِ أبدا كم الآلام والمشاعر المحطمة .
لكل بلدة فى قلوب أبناءها مكان لا تزعزعه كثرة مرورهم ببلدان أخرى ، لكن الغربة تزيد الحنين والإنتماء . لكل ما هو ممنوع وصعب المنال صوت بداخلنا لا يصمت حتى يزول الممنوع ويصبح مسموح وقريب المنال ..
الغربة كالموت ..... ربما تتعدد معانى الغربة ، لكن عندما تكون البداية هى الغربة عن الأرض فإن معانى الغربة تتتابع ..!!
هى قدر لكن البعض مسئول عن كم المآسى .. أقصد البعض المحسوب علينا " قادة " ومن لا يملكون حق النقاش أو الاعتراض هم من يتحملون النتائج وحدهم دون متخذى القرارات ... دائما الشعوب هى التى تتحمل قرارات القادة والأعداء معًا .
أكثر ما يؤلم هو تعودنا وتماشينا مع ما يفرضه المحتل ... التأقلم لأن المقاومة بعد حين تصبح مسمى سَلَبَ مضمونه القادة ومن يتحدثون بإسم أصحاب الحق ..
أحيانا تفرض علينا الحياة ما نراه مقحفا لتتحقق فى النهاية أقدار وأعمار تنتهى فى أماكن محددة
بلغة الشاعر المرهف وصف " مريد " رام الله ، وصف ما يدور بداخل كل مغترب ... بكل المعانى المتعدده للإغتراب داخل الأوطان وخارجها ... ولعل معنى الإغتراب مفهوم عندما يكون خارج الأوطان المسلوبة عنه إذا كان بداخلها ويتمتع الفرد منا بكامل هويته وحقه فى الإقامه فى بلده ..
بدأتُ بـــ ( زمن الخيول البيضاء ) ثم بـــ ( الطنطورية ) واكتملت الملحمة بـــ ( رأيت رام الله )
ملحمة ستظل الروايات تحمل منها صورا لعل اللوحة تكتمل لكن اعتقد أنها لن تكتمل إلا بإنتهاء التاريخ ، فكل يوم هناك صورة جديدة تضاف لتعطى معنى جديد وتفاصيل أخرى تضاف ..
وتستمر المعانى والتفاصيل فى الإزدياد بإستمرار تتابع الأجيال ..
ربما تنفرد هذه الروايه عن غيرها بأنها واقعيه بالأسماء والأحداث ، وبأنها تناقش مشاعرا سطرها صاحبها بشفافية فعكست من خلاله معانى قد تغيب عمن لم يجرب معنى الغربة ..
كعادتى أقرأ وأنا أمسك بدفتر وقلم أدون إقتباسات تعجبنى معانيها ... وما أكثر ما دونته وأنا أقرأها ..
** بعض الإقتباسات :
- الجسر : أيها القريب كنجوم الشاعر الساذج .. أيها البعيد كخطوة مشلول .
- هل هو احتياج الناس لاسماع صوتهم عبر سماعهم له من أفواه الآخرين ؟؟ هل هو تعلقهم بصوت من خارجهم يقول ما بداخلهم ( عند سماع أغنية تعبر عنك ) .
- من الـ ( 67 ) وكل ما نفعله مؤقت " وإلى أن تتضح الأمور " .
- نسيج السجادة هو المستوطنات ... عليها بعض النقوش متناثرة هنا وهناك هى كل " ما تبقى " لنا من فلسطين .
- الحب هو ارتباك الأدوار بين الآخذ والمعطى .
- ولماذا فى نافذة البهجة تداهنى ذاكرة المراثى ؟؟
- ليس الغريب وحده هو الذى يشقى على الحدود الغريبه ، المواطنون يرون نجوم الظهر أحيانا على حدود أوطانهم .
- الغريب عن " هنا " غريب عن " اى هنا " فى العالم .
- استحالة الإبهاج المطلق بالعثور عليه بعد الفقدان .
- ستتخذ إهتزازات الماضى مداها إلى أن تهدأ وتسكن وتجد لها شكلها الذى تستقر عليه -الذاكرة ليست رقعة هندسية نرسمها بالمنقلة والفرجار ... بقعة السعادة تجاورها بقعة الألم المحمول على الاكتاف .
- والأمل يضغط على صاحبه كما يضغط الألم .
- الحياة تستعصى على التبسيط .
أكتفى هنا بهذا القدر ..... رغم أننى لم أكتفِ به فى دفترى
ولا زلت أحيا فى شوارع رام الله ورحلة " مريد البرغوثى " فيها بعد ثلاثين عاما من غيابه عنها ..
**************************
أخيرا أشكر كل من وجهونى لقراءة هذه الرواية ، لأكمل بها ثلاثية عبقرية تتحدث عن فلسطين هذه الأرض التى عرفناها ولم نعرفها بعد .
شكر خاص لــ عمو يوسف و حبيبتى زينه ..