جلسا سويا على شاطئ البحر ، أحضرا مقعدان مطويان كان قد اشتراهما قبل أيام ، ولم تعرف وقتها لماذا يحملهما في السيارة بإستمرار ، لكنه كان يتحين الفرصة للذهاب للبحر كما أرادت وألحت عليه مرارا ، جلسا وفى خلد كل منهما ما يدور ولا يعرفه الآخر ، كلمات وأطراف حديث يتجاذبنه ربما يناقش بعض ما خفى فى الصدور ، بعد لحظات صمتت لا تدرك كم مر من الوقت تحديدا ، لحظات كانت تبحث فيها عن القمر متمنية أن تراه بدرا لكنه كان يشرف عليها من شرفته فلم تره إلا هلالا .
قامت وطرقت باب البحر تخطو خطى حثيثة رغم الإشتياق ولا تعلم أهو الخوف !! أم الحذر وفى لحظة تلت تساؤلها .. لما الخوف وهو البحر ؟!! جاءت الإجابة التى لم تتوقعها فالبحر له قلب وأنت تخشين الإقتراب من كل ذى قلب ، فتأخذك فى دواماته .
عند باب البحر وقفت وتركت طرف ثوبها لتبلله الموجه التى لا تمل من الذهاب والعودة ، وكأن الموجة قررت أن تنبهها من شرودها ولعل الهلال أوحى لها بأن تأتى قوية لتنتبه ، فجاءت موجة كادت أن توقعها ، لولا أنها تماسكت وكان ثوبها قد إبتل لما تحت الركبتين ، فلم تمتلك إلا أن تضحك وترجع للوراء وظلت الموجه تداعبها وهى تتقدم وتتراجع .
تذكرت صدفتها التى كانت تملكها وهى صغيرة والتي كانت دائما ما تضعها على أذنها لتسمع صوت البحر فأخذت تبحث وتنظر تحت قدميها لعلها تعثر على واحدة مثل التى كانت ، لكن الضوء يأتي من بعيد ولا ترى سوى بياض تلو بياض حتى يتكرر بإتيان الموجة وذهابها ، لكنها أصرت أن تبحث فكل ما تبحث عنه فى حياتها يشبه هذه الصدفة التى تتمنى أن تجدها فى ليل على شاطئ بحر .
دققت النظر وتحسست بقدميها .. هاهي واحدة . صغيرة ! نعم .لكنها تشبه ما تبحث عنها ، ظلت تنظر .. هاهي واحدة ثانية .. وواحدة ثالثة ..والكثير من الصَدف الذى يظهر إختلاف ألوانه وأحجامه رغم الليل .
ثلاث صدفات صغار حلزونيات الشكل تسمع صوت البحر فيهما يأتى من بعيد ، لم تحمل سواهما وثلاث مرجانات صغار ،كأنهن أشجار نبتت فى قاع البحر وأتى بهن جميعا الموج وألقاهن تحت قدميها ، ربما أراد بها ضيافتها وإن كانت قد ذهبت إليه ليلا .
عادت إلى مقعدها بجواره ، كان منهمكا فى أخذ لقطات للهلال وللبحر وللأضواء الآتية من بعيد ، ومنذ لحظات إلتقط صورا لها وهى تلتقط إحدى صدفاتها ولم تنتبه له ، جلست ولم يتحدثا .. ظلت تحدق بالبحر الذى تراجعت قليلا عن بابه .
بحركة وئيدة انحنت وأخذت تمسك بحفنه رمل وترميها بإتجاه البحر وكأنها تصنع سدا بينها وبينه ، فتأتى الموجه لتهدمه ..لماذا تبنى بينها وبينه سدا وهو البحر الذى طالما إنتظرت لقاؤه ؟؟ ربما كان السبب هو طول الإنتظار ، الذى يجعلك تمَل من تنتظر وربما هو سبب خوفها من الذهاب معه خلف الموج الهادئ على شاطئه ، هناك حيث القلب ، وحيث توجد القلوب يوجد الأعماق التى لا يعود من يصلها إلا أن يقذفه البحر كتلك الصدفة التى تظل تحتفظ بذكراه دون أن يكون بداخلها حياه !!
تساءلت بداخلها تُرى لو لم تكن تعرف أن وراء البحر بلاد أخرى كيف ستكون وقتها الأفكار ؟؟ وتجيب.. البحر بيت الشمس الذى تذهب إليه عند المغيب وتظل ساكنه فيه حتى يأتى الفجر فتستيقظ ، ربما يكون نهاية البحر هى النهاية .. لا شاطئ آخر هذا بابه ولا باب غيره ، هذا الموج الذى تراه تارة مرحبا بك تأتى موجاته واحده تلو الأخرى كأنها تلح عليك أن تأخذك معها فتدخل بك لعمق البيت البعيد حيث تسكن عروس البحر الحسناء وحيث يوجد قصر مليك الجن المسحور الملئ باللؤلؤ والمرجان والحوريات الحسان . وتارة تجد موجاته تأتيك الواحدة تلو الأخرى طاردة لك غاضبه من وقوفك على الباب هكذا على باب بحر الأسرار الذى يبتلع من يحاول معرفة أسراره .
وتظل الفكرة تلو الفكرة ويظل السؤال تلو السؤال يأتيها كهذه الموجات التى تسرقها ويظل الحلم تلو الحلم يملؤها كصوت البحر التى طالما إشتاقت إليه ولم تزدها رؤيته إلا شوقا وشرودا .
تنتبه على صوته ولا تعلم أكانت المرة الأولى التى قال فيها : هيا بنا ، أم أنه كررها حتى إنتبهت لصوته . ذهبا لكنها تركت شيئا منها هناك مازال واقفا على أعتاب باب البحر مترددا أيذهب مع الموجات لقلب البحر أم يظل واقفا مكتفيا فقط بالنظر لبيت الشمس حتى يأتيه الفجر البعيد ....
********
كانت تجلس مع أخيها على باب الخليج